صعبٌ هو الرحيلُ عن موطنِ أمجادك، مرارةُ الوداعِ مؤلمةٌ جداً، والإبتعادُ عن صرحٍ مكثتَ فيهِ أكثر من تسعةَ عشرَ عاماً موجع!
حينَ أتيتُ للمنزلِ البارحة تفاجأتُ من كمِ الهدايا، وأصنافِ الوردِ المركونةِ على زاويةٍ من الغرفة، رأيتُ أمي وسألتها فقالت: اليومَ أقمتُ حفل "مِسكُ الختام" واغرورقت عيناها دمعاً !
أعطتني هاتفها لأرى عرضاً مرئياً كاملاً للحفلِ، في المقاطعِ الأولى بدا لي حفلاً مرتباً منظماً جميلاً كما تعودتُ على حفلاتِ الختام، ولكن المقاطع الأخيرة جعلتني أسكبُ دمعاً غزيراً...
يخرجُ الصوتُ مهتزاً من حنجرةِ المعلمةِ التي تقرأُ الكلمة وكأنهُ يأبى ذلك، يُخطأُ في اسمِ أمي حتى قيلَ "رتيبة محمد" وليسَ "رتيبة شامس"، وكأنَ الكلماتِ تأبى أن تشكلَ عبارةً مفيدة لـيعلمَ الحضورُ عن ذاك الخبر، شدني منظرُ أمي والدموعُ تنهمرُ من مقلتيها وني تمشي بخطى متثاقلة لموقعِ استلامِ هديةِ الشكر،يبكي من حولها الطاقمُ التدريسي الذي لطالما أبى أن يتخيلَ هذهِ اللحظة ، فجأة تتشوهُ دقةُ التصوير فإذا بي أسمعُ المعلمةَ التي كانت تسجلُ الحفلَ هي الأخرى تبكي!!
حتى اخي الجالسُ في وسطِ زملاءهِ بكى لأجلها!
يالله ماذا فعلت أمي بقلوبهم بهم ليحبوها كل هذا الحب ؟ ليتعلقوا بها كالأمِ الحنون؟ ماذا فعلت لتكونَ علاقتهم بها علاقةَ أُخوةٍ لا علاقةَ زُملاءِ عمل؟
أحضانهم ورسائلهم التي كانت تتسابقُ بالأمسِ كلٌ يعبرُ عن ما يجولُ في خاطرهِ لها،المحبةِ التي امتدت لتصلَ رسائلُ من أناسٍ غادروا المدرسةَ من سنينٍ طويلة !
لم يتأتى كل هذا من فراغ !
نعم تأتى من إخلاصكِ وتفانيكِ وقلبكِ الطيب ياحبيبتي💗
أمي هذهِ النحلةُ المخلصةُ لأكثر من تسعةَ عاماً، التي تسعى في مهنتها لأجلِ أن ترقى بنفسها وبالوطنِ، هذهِ التي أفنت عمرها في سبيلِ توصيلِ الرسالة، هذهِ التي ربت وبنت، هذهِ التي أنتجت أجيالاً منهم اليومَ دكتور والآخرُ مهندس وتلكَ طالبتها اليومَ تجاورها في ذاتِ المدرسة لتحملَ معها نفسَ الرسالة، رسالةُ التعليم، رسالةُ العطاءِ والكفاح !
أماهُ أيّ الحواسيبِ تستطيعُ أن تعدّ جهدكِ طوالَ تلكَ السنين؟
أماهُ حقٌ عليّ أن أفخرّ اليوم، حقٌ عليّ أن أصدحَ اليوم هذهِ هي أمي هنا شيدت وبنت
أمي الغالية، هنيئاً لكِ تقاعدكِ عن العمل، بوركَ الجهدُ الذي زرعته، وجزاكِ اللهُ أجراً مضاعفاً، حقٌ لكِ الراحةُ بعد هذا الجهد، أمدّ اللهُ في عمرك، وأدامكِ لي عمراً لا أعلم كم سأعيشه
أُحبك💗
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق