الأحد، 6 أغسطس 2017

في كل مرةٍ ستتعلم

_

*فاطم:*أتعلمُ يا رَفيق:  
ما كُنتُ أظن يومًا أنّي سأقف وحدي لأخوض هذه الحرب. حقيقة ما شعرت بمعنى الوحدة أبدًا إلا الآن! 
كنتُ قويا بما فيه الكفاية لأعتصر الألم بداخلي وأظهر في وجهك بكل هذا النور.

*هديل:* كنتَ قويًا ولازلتُ أراك كما أنت باقٍ حولي  ساطع فيَّ، أرجوك لا تخف من خوض المعارك، كلُ تلك المسافات الشاهقة التي قطعتها بحثًا عن ضالتك كانت دروسًا جعلتك قويًا ناضجًا، أنت الذي آمنت بنفسك حين أفلت منك الكثير، وأنت وحدك قُلت بأن كل الطرق السهلة لاتغريك!
 واخترت خوض الصعبِّ بإرادتك، أنت الذي تحملت مشاق الطريق لتصل لبر الأمان، أنت تعيشُ أجمل لحظاتِ عمرك -قطعيًا- وتتذكر كم كان الطريق طويلا للوصول، تتذكر كيف أن "اليقين بالله يصنعُ المعجزات"، وأنت الذي انتصرت مراتٍ عديدة أنى تشعر بالوحدة وأنت جيشٌ بأكمله؟ 

*فاطم:* أنا قطعًا يا رفيق لن أُهزم، أنا ما زِلت التمسُ الضيّاء في كلّ بقعة ٍ سوداء، كنتُ ولا زلت أوقد فتيل الحبّ في قلبي لهذا الطريق، لهذا المسير، لهذه الحياة، ولهذا القدر الجميل.
أنا لن أموت إلا ويدايّ قد لامست زرقة السماء. بل كيف لي أن أتوقف ومثلك يضيء النور في قلبي كلما أعتمت أضوائه!

*هديل*: أُحبك قويًا، مشعًا مثل نجمةٍ تسرق تفكيرَ حالمٍ  على ظهر هذا الكوكب، قد تخذلك الحياةُ مرارًا؛ لكنك في كل مرة ستتعلم من كل خيبة، وكيف أنها في نهاية الطريق كانت سلالم خفيةً لحلمك، لأنك عبدُ الكريم اللطيف الخبير العالم بك منكَ، ستكون أيامك كما يدبرها الله لك

 " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"  💙.


_
مُجاراة بسيطة غير مرتبة بعد طول غياب، أنا محظوظةٌ جدًا لأن فاطم تأتي كلما شعرتُ بأنني فارغةٌ إلا من اكتظاظِ الحروف. 

الأحد، 2 أكتوبر 2016

الحياةُ لا تُطعمكَ مجانًا يا صديقي!

صباحُ الأحد، صباحٌ يجرُ وراءهُ بداياتٍ جديدة وتجارب لذيذة، أستيقظُ  وأحمد الله طويلا لأنني أذهب لمسقط في الصباح ولا أضطر لعيشِ طقوس السبت الكئيبة،  صوتِ أمي من غرفة المعيشةِ يعلو لأتناول قسرًا طعام الفطور، أمي مؤمنةٌ بأن طعامَ البيت دائمًا لذيذ -أيًا كان نوعهُ- وأنه سيمنحني الطاقة لكامل الأسبوع، حتى أفكارُ الأمهاتِ حضنٌ دافئ. 

يسبقني أخي إلى السيارة ضاحكًا ليحتلَ المقعدَ الأماميَّ، أتذكرني حين كنت طفلةً تبهجني الأشياء الصغيرةُ مثلهُ بل تصنعُ يومي! 

كبرتُ كثيرًا على دلال الإبنةِ البكر؛ منذ زمن لم أطرق باب أبي وأمي في منتصفِ الليل شاكيةً الحُمى، ولم يعد بمقدورِ أبي أن يطفئ أضواء غرفتي حينما أكون خارج المنزل، وكان عليَّ كثيرًا أن أقفز من فوق الحفر وأنقذ نفسي بنفسي.. 
جدتي تقول دائمًا: "على المرء أن يتعلم بنفسهِ؛ الحياة لاتطعمهُ مجانًا ".
قد تكون مخذول ومتعب من البكاء لا بأس ما كانت الدنيا يومًا لنا مستراحًا، طبطب على جروحك أنت لستَ الحزين الوحيد على هذا الكوكب، هناك مجازر تحدث في الجانب الآخر من العالم وفي جهةٍ ما هناك من يتمنى أن يحصل على حياتكِ، قل الحمدلله الذي آواكَ ورزقكَ الأمان في بقعتكَ وقلبك، تعلم كيف تضحك وتشارك العصفور شدوهُ في الصباح صدقني سترى كيف أنهُ بوسعكَ أن تتحكم في حجم أوجاعكَ ومدى تهويلكَ للكثير الذي لم يكن يستحق منك أن تضيع وقتك الثمين عليهِ!
مسقط صباحًا والطرقُ الطويلة المزدحمةُ بالكادحين في لوحةٍ مُلهمة تقرأ فيها قول الرحيمِ: " يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحًا فملاقيهِ"، كم مرةٍ جددت نيتكَ وتصفحت قلبكَ مفتشًا إياهُ متذكرًا قانون الحياة الربانيِّ:  " إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا" ؟ 

تعلم كيف تقبل على الحياة بقلبٍ سليم و"ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة" ليثمر جهادكَ هنا وهناك لذائذ ونعمًا تتقلبُ فيها كل يوم، أوبعد كل هذا تقنطُ من الذي وسعت رحمتهُ كل شيء وتشتكي؟ 

أنا لستُ أمك ولاضميركَ الداخليّ الذي يحدثك كل يوم، أنا مثلك تهزمني الحياة كثيرًا وأدخلُ في مراحل قاسيةٍ منها، لكنني أكتبُ وأحدثني قبلك وألقنني الدروسَ التي يجبُ أن أعيها قبل المقررات الأكادمية، أخرجُ من وحلِ اليأسِ بالكتابة وأحدثكَ معي صديقي الذي ألفتك الزوايا باكيًا راكلًا أحلامك بعيدًا عن المرمى لربما أداويكَ معي كما أفعل لي! 

آه يبدوا أن أبي يعلم أنني أكتب طوال الطريق، ها أنا أختم التدوينة وأنا على عتبةِ السكن، أتنهدُ بقوة أخلعُ حزام الأمان متخففةً من حملٍ ثقيل، سألاقي صديقاتي بعد حين اللواتي يبعثنَ فيّ الأمل ويضحكنني ولو قسى هذا العالمُ عليَّ. 

آه؛ نحب الحياة الأكادميَّةَ تربينا على الصبرِ اللذيذ وتعمر في قلوبنا حبَّ الجهادِ، أصلي لله أن يمنحنا السلام في قلوبنا وأيامنا ويمدنا بالقوة لنعبر مشاق الطريق الوعر، ويهبنا اليقين؛ اليقين الذي يجلبُ المعجزات التي تبكينا فرحًا، ربُّ الأوقات المباركة والألطاف المديدة، آمين.
-هديل مُحمد.

الخميس، 23 يونيو 2016

عِش معهُ؛ تنتصر.



أُسلم آخر ورقة اختبارٍ في هذا العامِ أتخففُ من الهم الثقيلِ وأنطلقُ للحياةِ من جديد، كُنت ولازلتَ معي في الانكماش والاتساع في العتمةِ قبل النور، أستشعرُ سندكَ في أثقلِ الأوقاتِ وأحلكها عليّ. 
يا ألله. 
حين سئمتُ من المتطلبِ الذي استهلك مني عُمراً وطاقةً وبكيتُ خوفاً وهلعاً، حين دفعتني برحمتكَ لأمسك كتابك العزيز وأضُمهُ إلى صدري كأمٍ تُقبل طفلها المولود للتو؛ عن الحنانِ والطمأنينةِ التي لامست شغاف قلبي حينها وعن جمالِ مواساتكِ حين فتحت  و سقط بصري على ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) 
بكيت. كنت أريدُ أن أصفعني وأضرب برأسي الصغيرِ عرض الحائط بكل ما أوتيتُ من قوة!
أستعيذ بكَ يالله حين ينزغني الشيطانُ نزغاً، فأجحد نعمتك عليَّ وأقنط. 
نحنٰ الذينَ تُرهقنا الدروبُ فجأةً، وننسى أنكَ الله ربُّ الرحماتِ والدواءِ، حين ترسل أفراحك علينا وتغمرنا بعظيمِ لطفك ونشعرُ بأننا في ساحةِ بدرٍ تداوينا ببشراكَ وتطمئن قُلوبنا بنصركَ. 
سُبحانك. 
 أنى نحزنُ ولم يكن وجعنا كوجعِ مريمَ حين قالت: ( ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً)، أي قوةٍ وأي مددٍ ذاك الذي صببتهُ في قلبها حين رمت بفلذة كبدها موسى في اليمِ، وأي درجة من الإيمانِ المبطنِ بالصبرِ الذي منحتهُ سيدنا يعقوب -عليهِ السلام-  حين ابيضت عيناهُ من الحزنِ على ولدهِ.

القرآن يُزهرك ويُقيم جدار روحك إذا انقض، عش بهِ، خُض الحياةِ بأمانٍ معه، لا تبتئس غامر بإيمانٍ مستشعرا خلافتكَ على هذه الأرض. 
رمضانُ فرصتكَ التي في ما مضى ذهبت سُدى، ضمد جروحك وانتعش، قُم للحياةَ مجاهداً صابراً على شقائها وجحيمها، ساعياً في مناكبها مُباركاً بتوفيق الله، أَنر هذا الفؤاد بذِكره وانطلق متوكلاً حاشاهُ أن يُضيعك. 

يا رب الدواء والشفاء والرحماتِ التي لاتتضب؛غفرانك، حين كُنا عُمياناً عن أيامنا الممتلئة بخيرك العظيم، حين أغرتنا الحياةُ ونسينا أن وعدك حق وتغافلنا عن اقتناص لُطفكَ من اللحظاتِ الثقيلة، لك الحمدُ لأنك شارحُ الصدرِ، باعثُ الأمانِ في نفوسنا الضعيفة.
تمت. 

١٨ من رمضان ١٤٣٧هـ
هديلُ بنت محمد البطاشية. 

الاثنين، 30 مايو 2016

لا يدخلُ السباقَ متكاسل.



تفوزُ الرغبة الملحة بالكتابة رغم أنف الأعمال التي تصفعني من كل جانب، جئت في هذه الساعة تنسلُ الدقائق من بينِ عقارب ساعتي تستهزئ بي وتركلني لترميني في القوقعةِ التي أحب.
أعود لأتكورَ على نفسي غير آبهةٍ للوقتِ ولا للفترةِِ الزمنية؛ اللحظة التي أدركُ فيها أنني أنهكت نفسي بالتفكير أكثر مما يجب وأعمق من أن يُتخيل لتعودَ لي الصفعةُ ذاتها -التي في كل مرةٍ -تستجمعُ قواها لتعود إلى وجهي بطريقةٍ أشد ايذاءً.

أنا كائنٌ صغيرٌ على هذه البسيطة أمنياتهُ لا تكفُ عن ضربهِ ودفعهِ للأمامِ في نفس اللحظة، تُشقيني أحلامي العنيدة وتربكني اللحظاتُ السهلة لأني أُحب وعورةَ الطريقِ الذي أَعبر.

كأن تصحو على صوتِ المنبهِ القائل لكَ "المجدُ لاينال في الفراش ولاتحت الأغطية"، تنسلخُ من تعبكَ وجسدك المتآكل قائلاً :"حي على الحياة".
أستيقظُ على أكوامِ المحاضرات المتكدسة ألملمني من بينها، أُسرعُ لمحاضرةِ الثامنة وأتأمل مشهد المارينَ من حولي الساعين لأجلِ أحلامهم، وأتساءلُ في نفسي :
هل يفعلون ذلك بدافعِ الحُب كما أفعل؟.

أضمدني بالحُب كلما واجهتُ أصعب لحظاتِ حياتي، أتنهد بقوة المناضلينَ أتلو عليّ أيات السكينة.

لا يدخل السباقَ متكاسل. أي هذا الذي يسخرُ من جهدِ مكافحٍ يصارعُ ساعاتِ الليل ويستيقظُ فجراً تابعاً مجدهُ، يركلُ آلامهُ ويداوي جرحهُ بالصبرِ الجميل، يستنزفُ كفاحهُ كل جزءٍ منهُ؛ يختبئ في زاويةٍ ما من هذه الحياة يداري وجعهُ وجهادهُ وحدهُ، ينتظرُ اللحظة التي تتحدثُ فيها انتصارتهُ عوضاً عنهُ. 

أعودُ لأحدثكَ عزيزي؛ صدقني أنت فقط من يجبُ أن تُصلحَ عطبَ عقلك، و تُكفَ عن استخفافكَ، هذا الذي تراهِ فارغاً يبني حلماً ويعمرُ مجداً؛ انتبهِ يا جبان. 

عن جمالِ الأيامِ التي أعبرها وعن حزنها أيضاً، عن ضراوةِ ألمي ويقينيّ الدائم بعوضهِ اللذيذِ؛ أسألُ.
هل هناك أجملُ من أن تشعرَ بدفء رحمتهُ سُبحانهُ؟ أن تنهي اختباركَ الطويل منهدَّ القُوى وتمشي مسافة ليست بالقليلة تكوي جِلدكَ حرارةُ شمسِ الثانيةِ ظهراً، تُلقي بتعبكَ وكلكَ على سريركَ وتتنفسُ الصعداء، ترتسمُ علاماتُ الدهشةِ من لطف الله الذي يأتي على هيئة أصحاب. كيف لوردةٍ بيضاء أن تمتصَ تعبكَ الشديدَ وتبدلهُ ربيعاً في قلبكَ ومهرجانَ فرح؟ لكَ الحمدُ من جوفِ قلبي إلى أبعدِ سماء.

لا نريدُ إلاكَ مداوياً ورحيماً، مطبطباً وحبيباً، علمنا كيف نسترجعُ أنفسنا حين نغترب عنها في لحظةِ ضعف، علمنا قراءة الخيرِ في تفاصيلِ أيامنا، علمنا ألا نتعلق بذكرى قديمة كلما مرت بخاطرنا أقمنا مأتم  حزن و رثاء. 
يا ربّ المتعبينَ؛ عمّرنا بالإخلاص وأبدل لظى حرقتنا بغيثٍ يهبط برداً وسلاماً علينا، نصلي لك راجينَ سعةً في صدورنا وفينا، خالقُ المعجزاتِ، يا صاحب الفتحِ الأعظم.. يا ألله.

الخميس، 31 ديسمبر 2015

نهايةُ عام، وكُل حُلمٍ وأنتم بخير.

الحروفُ العالقةُ في حنجرتي تسبب لي اختناقاً قاسياً، كم من مرةٍ أصابُ بضيقِ التنفسِ بسببها فتجبرني على إخراجها، وما إن يهدأ الوجع أتوقف عن الكتابة، لستُ أدري ما أنا صانعةٌ بنفسي وإلى أي حالٍ كنتُ سأجرفها إليهِ.
رغم أن منظرَ تكادسِ الكلماتِ فوقَ بعضها البعضِ يؤذي عينايّ كثيراً -كما يرشُ البهارُ عليهما- لا أعيرُ العلاجَ المتمثلِ في ترتيبها وصفها في تدوينةٍ ما أي انتباه، أشعرُ بأنني كنتُ أحاولُ تتفيذَ عمليةٍ إنتحاريةٍ لنفسي ولكن لطف الله أعظم حينَ بعث لي بفضلهِ ورحمتهِ مُزنة لتحدثني هذا المساء وترسلَ لي تدوينتها الأخيرةَ لهذا العام لأتركَ وجعي الجسديّ جانباً وأقرأُ بشغف، يعلمُ الله دهشةَ الشعورِ الذي عشتهُ وأنا أقرأُ سطراً تلو الآخر وأتنقلُ معها في كلِ وصف، أعطتني دفعةً قويةً لأن أدونَ الآن. 

أكتبُ للنهاياتِ السعيدة والمُبهجة، حينَ ترى لطفَ الله يغمركَ كالمطر ويغسلُ كل أوجاعكَ الصدئة، تعيشُ حمال تعويض الله، وتبكي فرحاً وتقولُ سبحانك كيف يفعلُ اليقينُ بكَ كل هذا ياربي؟. 

كلهم يندبونَ الحظَ - كما يسمونهُ- الذي وضعهم فيك وأنا أذوبُ شغفاً بينَ جدرانك، سبحانهُ لا يقدرُ لنا شيئاً إلا وفي أمرهِ مُطلقُ الحكمةِ والخيرِ الوفير، أنهي عامي هذا محققةً بتوفيقِ الله ما خططت لأجلهِ، مثبتةً لنفسي أني إن أصررتُ سأحصد، مرت عليّ أيامُ الفصلِ الماضي بينَ موتٍ وحياة، تخاذل طفيفٌ في المنتصف تصفعهُ استفاقةٌ أنهضتني لأكملَ بذاتِ قوةِ البدايات، المجازرُ التي وقعتُ فيها وكانت خسائري فادحةً كانت تُميتني وتربيني على تحملِ الصعابِ ألفّ مرة في اليومِ الواحد. 
تلذذتُ بفضل الله بكلِ دقيقةٍ في الفصل الأول، الجميعُ كانَ يكرهُ الصباحُ الذي كانَ يبدأ بالورشة إلايّ، لا أعلمُ لما كنتُ أُحسُ بالحيويةِ رغم خروجي من السكنِ متأخرةً قاطعةً المسافةَ هرولةً ومختارةً أقصر الطرق، رغم كل التعبِ الذي واجهتهُ فيها إلا أنني تعلمتُ كيفَ يعملُ المرءُ بعرقِ جبينهِ ليحصد في النهايةِ قارناً عملهُ بالنيةِ الخالصة، قسمُ العلومِ مستقري الدائم طوالَ الأيامِ الماضية، الجلوسُ في حديقتهِ عزز صلتي بالتأملِ كثيراً ما إن أقعدُ حتى أنظرَ للسماءِ فأجدَ العصفورَ ينشدُ لي وكأنهُ يخفف عني وطأةَ الضغط، قبلَ أن تسرقني مشاغلُ الدراسةِ  أُمسكُ هاتفي لأتبادلَ الرسائل الصوتيةَ مع صديقتي منال ساردةً تفاصيلَ يومي ومخففةً عني وعنها بُعد المسافاتِ وفقرَ اللقاءِ. 

عن شعورُ الأمانِ حينَ أرى العاملةَ الغريبةَ تبتسمُ لي كالأختِ التي تعرفني منذُ سنينٍ طوال، أقرأ تفاصيلَ وجهها التي توحي لي بتلذذها بالعملِ لكسبِ قوتِ يومها؛ تعطيني دفعةً قويةً لأن أكملَ المسيرَ متجاهلةً كلَ ما يجعلني أتخاذلُ عن الوصول. 
الحياةُ الجامعيةُ لطيفةٌ بقدرِ ما هيّ متعبة، حين يتجلى لطف الله في صديقكَ الذي بعثهُ الله لك هديةً من السماءِ في عزِ احتياجك لصحبةٍ صالحةٍ تخفف عنكَ غربةَ المكانِ، الصاحبُ الذي ما إن ينهي محاضراتهِ حتى ترى هاتفكَ يضحُ باتصالتهِ المتتالية ليخبركَ عن موقعهِ لتهرولَ لمكانهِ وتستريحَ من تعبكَ في حضنِ حكايتهِ وضحكه، ما إن أرى شهد حتى أبتسم ويزاحُ عني تعبُ الحياةِ لأمازحها ويبدأ شجارنا المعتادُ عن مكانِ تناولنا للوجبةِ التي تسكتُ جوعنا، آه شهدُ وقلبها يارب. 

أتلذذُ حتى بالأيامِ التي تمتدُ فيها المحاضراتُ من الساعةِ الثامنةِ وحتى السادسة، تنالُ مني المحاضراتُ جميعها وتستنفذُ قوايّ ولايبقى للمحاضرةِ الأخيرةِ -الخاصةُ بمادةِ الكتابة- أي طاقة؛ غالباً ما أحضرها لأوقعَ عند إسمي فقط جسداً لا عقلاً، وكما يقولُ الجميعُ في القاعةِ أنها محاضرةٌ مملةٌ يأكلونَ فيها الحلوى ويسمعونَ القصص التي لا تمتُ بصلةٍ لما ندرسهُ، الأمرُ كانَ مضحكاً ومبكياً لا أعادَ اللهُ أمثالَ تلكَ المحاضرة. 

شهرُ ديسمبر الذي يبرحنا ضرباً بمتطلباتهِ، وقوائم المهامِ التي تتكادسُ على طاولتي معلنةً بدايةَ الحرب؛ أخوضُها مجاهدةً قارنةً هذا بيقينِ الوصولُ لما أريد، تحميني دعواتُ أمي وأهلي الذين يفقدونَ نبرةَ صوتي بينهم.
الله لن يتركك تحاربُ دونَ سيف ودونَ قوةٍ منه، الحمدُ لهُ سبحانهُ حينَ يلطف بنا في أثقلِ الأوقاتِ علينا، كأن يلطفَ بكَ ويزيحَ عنكَ التعب الذي حلَّ عليكَ بعد ثمانِ ساعات من المذاكرة بمكافأةٍ عظمى لم يتخيل عقلك حدوثها حقيقةً، الحمدُلله باعثً السعادةِ في قلبي وقلبها، الحمدُلله على كل لحظةٍ سعيدةٍ بقربها وعلى أمانِ الحضنِ ودفء الدعواتِ ياربي أعجز عن شكرك. 

ينتهي الشهرُ بإعلانِ النتائجِ للمسابقةِ التي بذلتُ فيها أقصى ما عندي - وسطَ تدافعِ الإختباراتِ والمهامِ- لأصدحَ بعد فوزي فيها قائلةً: كلُ حلمٍ وأنتم بخير.

أبى الله إلا أن يتم نورهٍ ليكرمني بعظيمِ فضلهِ ويخرجني من هذا العامِ منتصرةً في نهايةِ السباق، مروضةً نفسي على الجهادِ وملقنةً إياها علوماً كثيرة، وانضمامي لمجموعةِ أسلات قلم بتوفيقٍ من الله لهذا العامَ زادَني تعلقاً بالحرفِ أكثرَ وأكثر، أسألهُ أن يعينني لأن أنجزَ فيها وأصنعني بشكلٍ فعالٍ بإذنه. 
ياربُ ما كُنتُ بمنجزةٍ دونَ حولكَ وقوتك، ما كنتُ بفائزةٍ دونَ عونكَ، اللهم أعنا على شكركَ وألهمنا يقينَ المُتقينَ وذكاءَ العُبورِ ثم سعادةَ الوصولِ ياحبيبي، وآخرُ دعوانا أن الحمدُلله رب العالمين. 

السبت، 17 أكتوبر 2015

جِهادُ طالب هندسة (الجُزء الأول)

لم أكن أعلمُ أن الوقتَ سيتقاذفني بهذهِ الطريقةِ البشعة، ويبعدني عن حُضنِ مُذاكراتي، لم أكن أعي أن الضغطَ الجامعيُّ سيخترقُ جدولي الخاص ويبَعثرُه.

الألمُ هوَ أكثرُ الأشياءِ التي تُربي فينا الصبرَ وتضاعفُ جرعتي، وأظن بأن الأسبوع الفائت هو أقسى ما مَرَّ عليّ في تاريخِ حياتي الدراسية وعليّ أن أدونهُ لأنني أعلمُ أنني سأواجهُ الأعظمَ جهاداً مُستقبلا.

الأسبوع الذي لم يكفَ عن ضربي بمتطلباتهِ إلى آخرِ ساعةٍ من آخرِ محاضرة. 
أذكرُ أنني تتهدتُ بعمق بعدَ تسليمِ ورقةِ اختبارِ الفيزياءِ الذي أنهكني وأبى إلا أن يستنزفَ كُل قوايّ يومَ اختبارهِ.

أحمدُ الله لأن منحني قوةَ الصبرِ في أحلكِ الاوقاتِ وأثقلها عليّ، قوةَ جذورِ شجرةِ الزيتونِ في القدس، وأزهرني في نهايتهِ خضراءَ مُتفتحه عائدة لحضنِ أمي بتوردٍ وبهجة. 



أنا لا أتذمر، ولا أُفكرُ في هذا حتى
العلمُ جهاد على أيةِ حال، كيفَ لا وهو سبيلٌ يوصلنا للجنة، لاضيرَ في ذلكَ البتة إنني أجاهدُ لها، وثمنها غالٍ وعليّ أن أبذل لأجني. 
الله وحدهُ سيوصلنا لأحلامنا، يوصلنا لنعمرَ ونبني، أنى نخافُ من هولِ المصاعبِ وكثرةِ الحُفر ونحنُ في كنفِ الله؟ أنى نضيعُ ونحنُ نمشي بهديهِ ونوره؟ 

أي عزيزي الواقفُ في مُنتصفِ الطريق، جالب البؤسِ لنفسكَ في حينِ أنكَ قادرٌ على إكمالِ المسيرِ   بكلِ قوة، سيدنا نُوحُ أغرقَ الكرةَ الأرضية بدعاءٍ واحد " ربِ إني مغلوبٌ فانتصر"، تمعن معي في عَظمةِ الاستنصارِ بالله، وثقةِ الاحتماءِ بهِ وحده، قُل لي بعدَ هذا كيفَ غفلتَ عن ربٍ رحيم يغفرُ زلتكَ ويُرتبُ بعثرتك وينجيكَ؟
دعني ألطمكَ لتستفيق، دعني أهزَ رأسكَ علَّ هذا البؤسَ يسقُط من على رأسك وأدعسهُ بقدمي. 

حاشاهُ أن يخذلكَ أو أن يدعكَ تُحاربُ دونَ سيف، الله سَندكَ وقوتك حينَ تهّدُ عزيمتكَ الظروف، وترهقكَ الطُرق الوعرة، سيمسحُ على رأسِ أحلامك ويعوضك، توكل وَقُم.

مساءُ الجمعة 
- هَديلُ بنتُ محمد

الجمعة، 25 سبتمبر 2015

جِهادُ الأخِ الأكبر ..

صباحُ العيدِ وثاني أيامه، بالأحرى صباحُ الشوقِ والدعواتِ لأهلي المؤدينَ لمناسكِ الحج. 
أن تكونَ الأكبرَ، يعني أن تحملَ أعباءَ إخوتكَ جميعهم، يعني أن تكونَ الطبيبَ والمرشدَ والمربي والمعلم دفعةً واحدة، أن تكونَ الأكبرَ عُمراً يعني أن تتحملَ مشقةَ المسؤوليةِ بمفردك وأن تقاتلَ في الحياةِ لتعلمَ إخوتكَ من تجاربكَ السابقة، باختصار أن يكونَ قلبكَ قوياً ياصديقي! 

أنا لا أظنُ أنَ إخوتي الأصغرَ عُمراً يشتاقونَ الآن كما أشتاقُ أنا، في غالبِ الوقتِ هم منشغلونَ باللعبِ  مع أقرانهم، وأنا أعتقدُ بأن هذا من لُطفِ الله ورحمتهِ بي، لا أظنُ بأنني سأستطيعُ أن أتحملَ نياحَهم وحرارةَ لهيبِ الشوقِ في صدري معاً! 

لا أعلمُ كيفَ وضعوا ثقتهم فيّ وأنا الهشّةُ التي تهزمني الحياةُ مراراً! 
 كيفَ أن أمي -التي تراني في كُل لحظةِ ضعفٍ أبكي كالطفلة- كلفتني لأقومَ بمهمتها بكلِ أريحية ومعالمُ وجهها تدُل على ثقتها الكاملةِ في ابنتها الكبرى؟ 
هي لاتعلمُ أنني لا أستطيعُ التحكمَ في هدوء أعصابي طويلاً وهذا سيءٌ جداً حينَ تتعاملُ مع صغارِ السن، يُجنُ جنوني حينَ يبدأون بالمشاكسةِ وكلُ واحدٍ يتهمُ الآخرَ وتتحولٰ الساحة لحلبةِ مصارعة. 
كنتُ في بادئ الأمر أتعاملُ مع هذهِ الحالات بصرخةٍ مدوية وحيناً أدخلُ للساحةِ لأخرجَ بكدماتٍ مؤلمة، أو أن أقفَ على زاويةٍ وأبدأ بالبكاء كالطفلِ التائه.
 الأخيرةُ تكونُ مجديةً في أحيانٍ قليلة، وغالباً ما تكونُ الخسائر فادحة، ذلك الوقت الذي يمزقني فيهِ تأنيبُ الضمير، لأنني لا أستطيعُ فكَ الصراع أو حتى عقد هُدنة لفترةٍ وجيزة. 
على كُل حال في كُل مرةٍ كنتُ أربتُ على كتفي قائلةً:
كوني أقوى؛ المهمةُ تحتاجٰ ظهراً قوياً وقلباً هادئاً. 

حتى صيّرني الله كذلك بلطفهِ ورحمتهِ . 

ياصديقي كلما كبرتَ عاماً عيناكَ تكبر لتُبصرُ بشكلٍ أوسع، قلبكَ يتوسع ليحتضنَ أشياء ثمينة، عقلكَ ينمو ليتكيفَ مع المسؤليات الملقاةِ عليك، أنتَ تنمو لتعطي وتُعمر في هذهِ الأرض، وإلا لما أوجدكَ الله أيها الإنسان. 
وبّخ نفسكَ كُلما تذمرت، صدقني حلاوةُ الإنشغال ولذةُ الضغوطات نعمة، والنعمُ المختبئة خلفَ أكوام التعب لا يشعرُ بها إلا من يفقدها، جاهد لتنالَ تلكَ اللذة. 

حاشاهُ تعالى أن يُفلتَ يداً تمسكَت بهِ ، هو لن يدعكَ تُقاتل وتخسر في كلِ مره، "إن ينصركم الله فلا غالبَ لكم" أنى تضيعُ وتهزم في كنفهِ سبحانه؟ 

وتذكر دائماً أن هذا العالمَ كمحلولٍ مشبع، لن يستطيعَ إذابةَ المزيد من الكُسالى المتذمرينَ القانطين فيهِ، إما أن تكونَ من الثلةِ المكافحةِ المُحبةِ للحياةِ أو لاتكن. 

عموماً في لحظةٍ ما وأنتَ تعبرُ الحياة سوفَ تُدرك ما أقول. 

وللتوضيحِ فقط؛ أن تكونَ الأكبر في اخوتك ليسَ سيئاً أبداً، وليسَ صعباً بالحجمِ الذي تتخليهُ، هنالكَ جوانبٌ إيجابيةٌ كُثر، شيءٌ جميل أن تكونَ حُضناً آمناً لأخوتكَ، ومن بابِ الطرافة شيءٌ مفيد أن تكونَ بنكَ حفظ نقودهم، يبقونَ من أجملِ النعم بحق، أُحبهم رُغمَ اندلاعِ الحروبِ الصغيرة بيني وبينهم، كما يقولُ أبي: "هذهِ هي أجملُ فتراتِ عُمركم حينَ تتعاركونَ مع بعضكم في مكانٍ واحد، ستكبرون وستتقاذفكم مشاغلُ الحياة؛ وهذا العراكُ الذي تظنونَ بأنهُ سيء سيكونٰ في صفحةِ الذكريات السعيدة ".

آمنت. 

٢١ من ذو الحجة١٤٣٦ 
٢٥ من سبتمبر ٢٠١٥ م

هديل مُحمد.