الأحد، 2 أكتوبر 2016

الحياةُ لا تُطعمكَ مجانًا يا صديقي!

صباحُ الأحد، صباحٌ يجرُ وراءهُ بداياتٍ جديدة وتجارب لذيذة، أستيقظُ  وأحمد الله طويلا لأنني أذهب لمسقط في الصباح ولا أضطر لعيشِ طقوس السبت الكئيبة،  صوتِ أمي من غرفة المعيشةِ يعلو لأتناول قسرًا طعام الفطور، أمي مؤمنةٌ بأن طعامَ البيت دائمًا لذيذ -أيًا كان نوعهُ- وأنه سيمنحني الطاقة لكامل الأسبوع، حتى أفكارُ الأمهاتِ حضنٌ دافئ. 

يسبقني أخي إلى السيارة ضاحكًا ليحتلَ المقعدَ الأماميَّ، أتذكرني حين كنت طفلةً تبهجني الأشياء الصغيرةُ مثلهُ بل تصنعُ يومي! 

كبرتُ كثيرًا على دلال الإبنةِ البكر؛ منذ زمن لم أطرق باب أبي وأمي في منتصفِ الليل شاكيةً الحُمى، ولم يعد بمقدورِ أبي أن يطفئ أضواء غرفتي حينما أكون خارج المنزل، وكان عليَّ كثيرًا أن أقفز من فوق الحفر وأنقذ نفسي بنفسي.. 
جدتي تقول دائمًا: "على المرء أن يتعلم بنفسهِ؛ الحياة لاتطعمهُ مجانًا ".
قد تكون مخذول ومتعب من البكاء لا بأس ما كانت الدنيا يومًا لنا مستراحًا، طبطب على جروحك أنت لستَ الحزين الوحيد على هذا الكوكب، هناك مجازر تحدث في الجانب الآخر من العالم وفي جهةٍ ما هناك من يتمنى أن يحصل على حياتكِ، قل الحمدلله الذي آواكَ ورزقكَ الأمان في بقعتكَ وقلبك، تعلم كيف تضحك وتشارك العصفور شدوهُ في الصباح صدقني سترى كيف أنهُ بوسعكَ أن تتحكم في حجم أوجاعكَ ومدى تهويلكَ للكثير الذي لم يكن يستحق منك أن تضيع وقتك الثمين عليهِ!
مسقط صباحًا والطرقُ الطويلة المزدحمةُ بالكادحين في لوحةٍ مُلهمة تقرأ فيها قول الرحيمِ: " يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحًا فملاقيهِ"، كم مرةٍ جددت نيتكَ وتصفحت قلبكَ مفتشًا إياهُ متذكرًا قانون الحياة الربانيِّ:  " إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا" ؟ 

تعلم كيف تقبل على الحياة بقلبٍ سليم و"ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة" ليثمر جهادكَ هنا وهناك لذائذ ونعمًا تتقلبُ فيها كل يوم، أوبعد كل هذا تقنطُ من الذي وسعت رحمتهُ كل شيء وتشتكي؟ 

أنا لستُ أمك ولاضميركَ الداخليّ الذي يحدثك كل يوم، أنا مثلك تهزمني الحياة كثيرًا وأدخلُ في مراحل قاسيةٍ منها، لكنني أكتبُ وأحدثني قبلك وألقنني الدروسَ التي يجبُ أن أعيها قبل المقررات الأكادمية، أخرجُ من وحلِ اليأسِ بالكتابة وأحدثكَ معي صديقي الذي ألفتك الزوايا باكيًا راكلًا أحلامك بعيدًا عن المرمى لربما أداويكَ معي كما أفعل لي! 

آه يبدوا أن أبي يعلم أنني أكتب طوال الطريق، ها أنا أختم التدوينة وأنا على عتبةِ السكن، أتنهدُ بقوة أخلعُ حزام الأمان متخففةً من حملٍ ثقيل، سألاقي صديقاتي بعد حين اللواتي يبعثنَ فيّ الأمل ويضحكنني ولو قسى هذا العالمُ عليَّ. 

آه؛ نحب الحياة الأكادميَّةَ تربينا على الصبرِ اللذيذ وتعمر في قلوبنا حبَّ الجهادِ، أصلي لله أن يمنحنا السلام في قلوبنا وأيامنا ويمدنا بالقوة لنعبر مشاق الطريق الوعر، ويهبنا اليقين؛ اليقين الذي يجلبُ المعجزات التي تبكينا فرحًا، ربُّ الأوقات المباركة والألطاف المديدة، آمين.
-هديل مُحمد.

الخميس، 23 يونيو 2016

عِش معهُ؛ تنتصر.



أُسلم آخر ورقة اختبارٍ في هذا العامِ أتخففُ من الهم الثقيلِ وأنطلقُ للحياةِ من جديد، كُنت ولازلتَ معي في الانكماش والاتساع في العتمةِ قبل النور، أستشعرُ سندكَ في أثقلِ الأوقاتِ وأحلكها عليّ. 
يا ألله. 
حين سئمتُ من المتطلبِ الذي استهلك مني عُمراً وطاقةً وبكيتُ خوفاً وهلعاً، حين دفعتني برحمتكَ لأمسك كتابك العزيز وأضُمهُ إلى صدري كأمٍ تُقبل طفلها المولود للتو؛ عن الحنانِ والطمأنينةِ التي لامست شغاف قلبي حينها وعن جمالِ مواساتكِ حين فتحت  و سقط بصري على ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) 
بكيت. كنت أريدُ أن أصفعني وأضرب برأسي الصغيرِ عرض الحائط بكل ما أوتيتُ من قوة!
أستعيذ بكَ يالله حين ينزغني الشيطانُ نزغاً، فأجحد نعمتك عليَّ وأقنط. 
نحنٰ الذينَ تُرهقنا الدروبُ فجأةً، وننسى أنكَ الله ربُّ الرحماتِ والدواءِ، حين ترسل أفراحك علينا وتغمرنا بعظيمِ لطفك ونشعرُ بأننا في ساحةِ بدرٍ تداوينا ببشراكَ وتطمئن قُلوبنا بنصركَ. 
سُبحانك. 
 أنى نحزنُ ولم يكن وجعنا كوجعِ مريمَ حين قالت: ( ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً)، أي قوةٍ وأي مددٍ ذاك الذي صببتهُ في قلبها حين رمت بفلذة كبدها موسى في اليمِ، وأي درجة من الإيمانِ المبطنِ بالصبرِ الذي منحتهُ سيدنا يعقوب -عليهِ السلام-  حين ابيضت عيناهُ من الحزنِ على ولدهِ.

القرآن يُزهرك ويُقيم جدار روحك إذا انقض، عش بهِ، خُض الحياةِ بأمانٍ معه، لا تبتئس غامر بإيمانٍ مستشعرا خلافتكَ على هذه الأرض. 
رمضانُ فرصتكَ التي في ما مضى ذهبت سُدى، ضمد جروحك وانتعش، قُم للحياةَ مجاهداً صابراً على شقائها وجحيمها، ساعياً في مناكبها مُباركاً بتوفيق الله، أَنر هذا الفؤاد بذِكره وانطلق متوكلاً حاشاهُ أن يُضيعك. 

يا رب الدواء والشفاء والرحماتِ التي لاتتضب؛غفرانك، حين كُنا عُمياناً عن أيامنا الممتلئة بخيرك العظيم، حين أغرتنا الحياةُ ونسينا أن وعدك حق وتغافلنا عن اقتناص لُطفكَ من اللحظاتِ الثقيلة، لك الحمدُ لأنك شارحُ الصدرِ، باعثُ الأمانِ في نفوسنا الضعيفة.
تمت. 

١٨ من رمضان ١٤٣٧هـ
هديلُ بنت محمد البطاشية. 

الاثنين، 30 مايو 2016

لا يدخلُ السباقَ متكاسل.



تفوزُ الرغبة الملحة بالكتابة رغم أنف الأعمال التي تصفعني من كل جانب، جئت في هذه الساعة تنسلُ الدقائق من بينِ عقارب ساعتي تستهزئ بي وتركلني لترميني في القوقعةِ التي أحب.
أعود لأتكورَ على نفسي غير آبهةٍ للوقتِ ولا للفترةِِ الزمنية؛ اللحظة التي أدركُ فيها أنني أنهكت نفسي بالتفكير أكثر مما يجب وأعمق من أن يُتخيل لتعودَ لي الصفعةُ ذاتها -التي في كل مرةٍ -تستجمعُ قواها لتعود إلى وجهي بطريقةٍ أشد ايذاءً.

أنا كائنٌ صغيرٌ على هذه البسيطة أمنياتهُ لا تكفُ عن ضربهِ ودفعهِ للأمامِ في نفس اللحظة، تُشقيني أحلامي العنيدة وتربكني اللحظاتُ السهلة لأني أُحب وعورةَ الطريقِ الذي أَعبر.

كأن تصحو على صوتِ المنبهِ القائل لكَ "المجدُ لاينال في الفراش ولاتحت الأغطية"، تنسلخُ من تعبكَ وجسدك المتآكل قائلاً :"حي على الحياة".
أستيقظُ على أكوامِ المحاضرات المتكدسة ألملمني من بينها، أُسرعُ لمحاضرةِ الثامنة وأتأمل مشهد المارينَ من حولي الساعين لأجلِ أحلامهم، وأتساءلُ في نفسي :
هل يفعلون ذلك بدافعِ الحُب كما أفعل؟.

أضمدني بالحُب كلما واجهتُ أصعب لحظاتِ حياتي، أتنهد بقوة المناضلينَ أتلو عليّ أيات السكينة.

لا يدخل السباقَ متكاسل. أي هذا الذي يسخرُ من جهدِ مكافحٍ يصارعُ ساعاتِ الليل ويستيقظُ فجراً تابعاً مجدهُ، يركلُ آلامهُ ويداوي جرحهُ بالصبرِ الجميل، يستنزفُ كفاحهُ كل جزءٍ منهُ؛ يختبئ في زاويةٍ ما من هذه الحياة يداري وجعهُ وجهادهُ وحدهُ، ينتظرُ اللحظة التي تتحدثُ فيها انتصارتهُ عوضاً عنهُ. 

أعودُ لأحدثكَ عزيزي؛ صدقني أنت فقط من يجبُ أن تُصلحَ عطبَ عقلك، و تُكفَ عن استخفافكَ، هذا الذي تراهِ فارغاً يبني حلماً ويعمرُ مجداً؛ انتبهِ يا جبان. 

عن جمالِ الأيامِ التي أعبرها وعن حزنها أيضاً، عن ضراوةِ ألمي ويقينيّ الدائم بعوضهِ اللذيذِ؛ أسألُ.
هل هناك أجملُ من أن تشعرَ بدفء رحمتهُ سُبحانهُ؟ أن تنهي اختباركَ الطويل منهدَّ القُوى وتمشي مسافة ليست بالقليلة تكوي جِلدكَ حرارةُ شمسِ الثانيةِ ظهراً، تُلقي بتعبكَ وكلكَ على سريركَ وتتنفسُ الصعداء، ترتسمُ علاماتُ الدهشةِ من لطف الله الذي يأتي على هيئة أصحاب. كيف لوردةٍ بيضاء أن تمتصَ تعبكَ الشديدَ وتبدلهُ ربيعاً في قلبكَ ومهرجانَ فرح؟ لكَ الحمدُ من جوفِ قلبي إلى أبعدِ سماء.

لا نريدُ إلاكَ مداوياً ورحيماً، مطبطباً وحبيباً، علمنا كيف نسترجعُ أنفسنا حين نغترب عنها في لحظةِ ضعف، علمنا قراءة الخيرِ في تفاصيلِ أيامنا، علمنا ألا نتعلق بذكرى قديمة كلما مرت بخاطرنا أقمنا مأتم  حزن و رثاء. 
يا ربّ المتعبينَ؛ عمّرنا بالإخلاص وأبدل لظى حرقتنا بغيثٍ يهبط برداً وسلاماً علينا، نصلي لك راجينَ سعةً في صدورنا وفينا، خالقُ المعجزاتِ، يا صاحب الفتحِ الأعظم.. يا ألله.