الخميس، 31 ديسمبر 2015

نهايةُ عام، وكُل حُلمٍ وأنتم بخير.

الحروفُ العالقةُ في حنجرتي تسبب لي اختناقاً قاسياً، كم من مرةٍ أصابُ بضيقِ التنفسِ بسببها فتجبرني على إخراجها، وما إن يهدأ الوجع أتوقف عن الكتابة، لستُ أدري ما أنا صانعةٌ بنفسي وإلى أي حالٍ كنتُ سأجرفها إليهِ.
رغم أن منظرَ تكادسِ الكلماتِ فوقَ بعضها البعضِ يؤذي عينايّ كثيراً -كما يرشُ البهارُ عليهما- لا أعيرُ العلاجَ المتمثلِ في ترتيبها وصفها في تدوينةٍ ما أي انتباه، أشعرُ بأنني كنتُ أحاولُ تتفيذَ عمليةٍ إنتحاريةٍ لنفسي ولكن لطف الله أعظم حينَ بعث لي بفضلهِ ورحمتهِ مُزنة لتحدثني هذا المساء وترسلَ لي تدوينتها الأخيرةَ لهذا العام لأتركَ وجعي الجسديّ جانباً وأقرأُ بشغف، يعلمُ الله دهشةَ الشعورِ الذي عشتهُ وأنا أقرأُ سطراً تلو الآخر وأتنقلُ معها في كلِ وصف، أعطتني دفعةً قويةً لأن أدونَ الآن. 

أكتبُ للنهاياتِ السعيدة والمُبهجة، حينَ ترى لطفَ الله يغمركَ كالمطر ويغسلُ كل أوجاعكَ الصدئة، تعيشُ حمال تعويض الله، وتبكي فرحاً وتقولُ سبحانك كيف يفعلُ اليقينُ بكَ كل هذا ياربي؟. 

كلهم يندبونَ الحظَ - كما يسمونهُ- الذي وضعهم فيك وأنا أذوبُ شغفاً بينَ جدرانك، سبحانهُ لا يقدرُ لنا شيئاً إلا وفي أمرهِ مُطلقُ الحكمةِ والخيرِ الوفير، أنهي عامي هذا محققةً بتوفيقِ الله ما خططت لأجلهِ، مثبتةً لنفسي أني إن أصررتُ سأحصد، مرت عليّ أيامُ الفصلِ الماضي بينَ موتٍ وحياة، تخاذل طفيفٌ في المنتصف تصفعهُ استفاقةٌ أنهضتني لأكملَ بذاتِ قوةِ البدايات، المجازرُ التي وقعتُ فيها وكانت خسائري فادحةً كانت تُميتني وتربيني على تحملِ الصعابِ ألفّ مرة في اليومِ الواحد. 
تلذذتُ بفضل الله بكلِ دقيقةٍ في الفصل الأول، الجميعُ كانَ يكرهُ الصباحُ الذي كانَ يبدأ بالورشة إلايّ، لا أعلمُ لما كنتُ أُحسُ بالحيويةِ رغم خروجي من السكنِ متأخرةً قاطعةً المسافةَ هرولةً ومختارةً أقصر الطرق، رغم كل التعبِ الذي واجهتهُ فيها إلا أنني تعلمتُ كيفَ يعملُ المرءُ بعرقِ جبينهِ ليحصد في النهايةِ قارناً عملهُ بالنيةِ الخالصة، قسمُ العلومِ مستقري الدائم طوالَ الأيامِ الماضية، الجلوسُ في حديقتهِ عزز صلتي بالتأملِ كثيراً ما إن أقعدُ حتى أنظرَ للسماءِ فأجدَ العصفورَ ينشدُ لي وكأنهُ يخفف عني وطأةَ الضغط، قبلَ أن تسرقني مشاغلُ الدراسةِ  أُمسكُ هاتفي لأتبادلَ الرسائل الصوتيةَ مع صديقتي منال ساردةً تفاصيلَ يومي ومخففةً عني وعنها بُعد المسافاتِ وفقرَ اللقاءِ. 

عن شعورُ الأمانِ حينَ أرى العاملةَ الغريبةَ تبتسمُ لي كالأختِ التي تعرفني منذُ سنينٍ طوال، أقرأ تفاصيلَ وجهها التي توحي لي بتلذذها بالعملِ لكسبِ قوتِ يومها؛ تعطيني دفعةً قويةً لأن أكملَ المسيرَ متجاهلةً كلَ ما يجعلني أتخاذلُ عن الوصول. 
الحياةُ الجامعيةُ لطيفةٌ بقدرِ ما هيّ متعبة، حين يتجلى لطف الله في صديقكَ الذي بعثهُ الله لك هديةً من السماءِ في عزِ احتياجك لصحبةٍ صالحةٍ تخفف عنكَ غربةَ المكانِ، الصاحبُ الذي ما إن ينهي محاضراتهِ حتى ترى هاتفكَ يضحُ باتصالتهِ المتتالية ليخبركَ عن موقعهِ لتهرولَ لمكانهِ وتستريحَ من تعبكَ في حضنِ حكايتهِ وضحكه، ما إن أرى شهد حتى أبتسم ويزاحُ عني تعبُ الحياةِ لأمازحها ويبدأ شجارنا المعتادُ عن مكانِ تناولنا للوجبةِ التي تسكتُ جوعنا، آه شهدُ وقلبها يارب. 

أتلذذُ حتى بالأيامِ التي تمتدُ فيها المحاضراتُ من الساعةِ الثامنةِ وحتى السادسة، تنالُ مني المحاضراتُ جميعها وتستنفذُ قوايّ ولايبقى للمحاضرةِ الأخيرةِ -الخاصةُ بمادةِ الكتابة- أي طاقة؛ غالباً ما أحضرها لأوقعَ عند إسمي فقط جسداً لا عقلاً، وكما يقولُ الجميعُ في القاعةِ أنها محاضرةٌ مملةٌ يأكلونَ فيها الحلوى ويسمعونَ القصص التي لا تمتُ بصلةٍ لما ندرسهُ، الأمرُ كانَ مضحكاً ومبكياً لا أعادَ اللهُ أمثالَ تلكَ المحاضرة. 

شهرُ ديسمبر الذي يبرحنا ضرباً بمتطلباتهِ، وقوائم المهامِ التي تتكادسُ على طاولتي معلنةً بدايةَ الحرب؛ أخوضُها مجاهدةً قارنةً هذا بيقينِ الوصولُ لما أريد، تحميني دعواتُ أمي وأهلي الذين يفقدونَ نبرةَ صوتي بينهم.
الله لن يتركك تحاربُ دونَ سيف ودونَ قوةٍ منه، الحمدُ لهُ سبحانهُ حينَ يلطف بنا في أثقلِ الأوقاتِ علينا، كأن يلطفَ بكَ ويزيحَ عنكَ التعب الذي حلَّ عليكَ بعد ثمانِ ساعات من المذاكرة بمكافأةٍ عظمى لم يتخيل عقلك حدوثها حقيقةً، الحمدُلله باعثً السعادةِ في قلبي وقلبها، الحمدُلله على كل لحظةٍ سعيدةٍ بقربها وعلى أمانِ الحضنِ ودفء الدعواتِ ياربي أعجز عن شكرك. 

ينتهي الشهرُ بإعلانِ النتائجِ للمسابقةِ التي بذلتُ فيها أقصى ما عندي - وسطَ تدافعِ الإختباراتِ والمهامِ- لأصدحَ بعد فوزي فيها قائلةً: كلُ حلمٍ وأنتم بخير.

أبى الله إلا أن يتم نورهٍ ليكرمني بعظيمِ فضلهِ ويخرجني من هذا العامِ منتصرةً في نهايةِ السباق، مروضةً نفسي على الجهادِ وملقنةً إياها علوماً كثيرة، وانضمامي لمجموعةِ أسلات قلم بتوفيقٍ من الله لهذا العامَ زادَني تعلقاً بالحرفِ أكثرَ وأكثر، أسألهُ أن يعينني لأن أنجزَ فيها وأصنعني بشكلٍ فعالٍ بإذنه. 
ياربُ ما كُنتُ بمنجزةٍ دونَ حولكَ وقوتك، ما كنتُ بفائزةٍ دونَ عونكَ، اللهم أعنا على شكركَ وألهمنا يقينَ المُتقينَ وذكاءَ العُبورِ ثم سعادةَ الوصولِ ياحبيبي، وآخرُ دعوانا أن الحمدُلله رب العالمين.