الجمعة، 25 سبتمبر 2015

جِهادُ الأخِ الأكبر ..

صباحُ العيدِ وثاني أيامه، بالأحرى صباحُ الشوقِ والدعواتِ لأهلي المؤدينَ لمناسكِ الحج. 
أن تكونَ الأكبرَ، يعني أن تحملَ أعباءَ إخوتكَ جميعهم، يعني أن تكونَ الطبيبَ والمرشدَ والمربي والمعلم دفعةً واحدة، أن تكونَ الأكبرَ عُمراً يعني أن تتحملَ مشقةَ المسؤوليةِ بمفردك وأن تقاتلَ في الحياةِ لتعلمَ إخوتكَ من تجاربكَ السابقة، باختصار أن يكونَ قلبكَ قوياً ياصديقي! 

أنا لا أظنُ أنَ إخوتي الأصغرَ عُمراً يشتاقونَ الآن كما أشتاقُ أنا، في غالبِ الوقتِ هم منشغلونَ باللعبِ  مع أقرانهم، وأنا أعتقدُ بأن هذا من لُطفِ الله ورحمتهِ بي، لا أظنُ بأنني سأستطيعُ أن أتحملَ نياحَهم وحرارةَ لهيبِ الشوقِ في صدري معاً! 

لا أعلمُ كيفَ وضعوا ثقتهم فيّ وأنا الهشّةُ التي تهزمني الحياةُ مراراً! 
 كيفَ أن أمي -التي تراني في كُل لحظةِ ضعفٍ أبكي كالطفلة- كلفتني لأقومَ بمهمتها بكلِ أريحية ومعالمُ وجهها تدُل على ثقتها الكاملةِ في ابنتها الكبرى؟ 
هي لاتعلمُ أنني لا أستطيعُ التحكمَ في هدوء أعصابي طويلاً وهذا سيءٌ جداً حينَ تتعاملُ مع صغارِ السن، يُجنُ جنوني حينَ يبدأون بالمشاكسةِ وكلُ واحدٍ يتهمُ الآخرَ وتتحولٰ الساحة لحلبةِ مصارعة. 
كنتُ في بادئ الأمر أتعاملُ مع هذهِ الحالات بصرخةٍ مدوية وحيناً أدخلُ للساحةِ لأخرجَ بكدماتٍ مؤلمة، أو أن أقفَ على زاويةٍ وأبدأ بالبكاء كالطفلِ التائه.
 الأخيرةُ تكونُ مجديةً في أحيانٍ قليلة، وغالباً ما تكونُ الخسائر فادحة، ذلك الوقت الذي يمزقني فيهِ تأنيبُ الضمير، لأنني لا أستطيعُ فكَ الصراع أو حتى عقد هُدنة لفترةٍ وجيزة. 
على كُل حال في كُل مرةٍ كنتُ أربتُ على كتفي قائلةً:
كوني أقوى؛ المهمةُ تحتاجٰ ظهراً قوياً وقلباً هادئاً. 

حتى صيّرني الله كذلك بلطفهِ ورحمتهِ . 

ياصديقي كلما كبرتَ عاماً عيناكَ تكبر لتُبصرُ بشكلٍ أوسع، قلبكَ يتوسع ليحتضنَ أشياء ثمينة، عقلكَ ينمو ليتكيفَ مع المسؤليات الملقاةِ عليك، أنتَ تنمو لتعطي وتُعمر في هذهِ الأرض، وإلا لما أوجدكَ الله أيها الإنسان. 
وبّخ نفسكَ كُلما تذمرت، صدقني حلاوةُ الإنشغال ولذةُ الضغوطات نعمة، والنعمُ المختبئة خلفَ أكوام التعب لا يشعرُ بها إلا من يفقدها، جاهد لتنالَ تلكَ اللذة. 

حاشاهُ تعالى أن يُفلتَ يداً تمسكَت بهِ ، هو لن يدعكَ تُقاتل وتخسر في كلِ مره، "إن ينصركم الله فلا غالبَ لكم" أنى تضيعُ وتهزم في كنفهِ سبحانه؟ 

وتذكر دائماً أن هذا العالمَ كمحلولٍ مشبع، لن يستطيعَ إذابةَ المزيد من الكُسالى المتذمرينَ القانطين فيهِ، إما أن تكونَ من الثلةِ المكافحةِ المُحبةِ للحياةِ أو لاتكن. 

عموماً في لحظةٍ ما وأنتَ تعبرُ الحياة سوفَ تُدرك ما أقول. 

وللتوضيحِ فقط؛ أن تكونَ الأكبر في اخوتك ليسَ سيئاً أبداً، وليسَ صعباً بالحجمِ الذي تتخليهُ، هنالكَ جوانبٌ إيجابيةٌ كُثر، شيءٌ جميل أن تكونَ حُضناً آمناً لأخوتكَ، ومن بابِ الطرافة شيءٌ مفيد أن تكونَ بنكَ حفظ نقودهم، يبقونَ من أجملِ النعم بحق، أُحبهم رُغمَ اندلاعِ الحروبِ الصغيرة بيني وبينهم، كما يقولُ أبي: "هذهِ هي أجملُ فتراتِ عُمركم حينَ تتعاركونَ مع بعضكم في مكانٍ واحد، ستكبرون وستتقاذفكم مشاغلُ الحياة؛ وهذا العراكُ الذي تظنونَ بأنهُ سيء سيكونٰ في صفحةِ الذكريات السعيدة ".

آمنت. 

٢١ من ذو الحجة١٤٣٦ 
٢٥ من سبتمبر ٢٠١٥ م

هديل مُحمد.