الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

يارب الأوائل والفائزين

 صباحُ السعادة، كيف لايكون سعيداًوأنا في كلِ صباحٍ أقتربُ من بداية عظيمة دامت أربعةَ عشرَ عاماً لأصلَ إليها؟ 
لم أشعر بفرحةِ الإنجازِ كما أشعرُ بها في هذهِ الأيام، كلما تذكرتُ تلك اللحظات الصعبه التي واجهتها لأصلَ للحلمِ ضحكت - بالرغم أنها أبكتني كثيراً في ذاك الوقت-، وقعتُ كثيراً وأحسستُ بطولِ الليل، تماديتُ في السهر وتلذذتُ بالتعب، وقعتُ وتلونت رُكبتاي بالبنفسجيّ والأخضر، نهضتُ ومشيتُ عرجاء نصفَ الطريق، حينما يصيبني الإرهاق لا أفتر بل أتكأ على عُكازِ الأمل، في كلِ مرةٍ أقفُ فيها أردد: اللهم يارب الأوائل والمنتصرين، أنتَ تعلمُ كيفَ أن هذا المسير يُرهقني، تعلمُ مقدارَ نضالي لأجلهِ ،أرني في حُلمي عجائب قُدرتك بلغني الهندسة ياربي بلغني. هكذا أُكمل بشعف دون التفات لمشاعرِ البؤس التي تتطفلُ عليَّ أحياناً. 
أذكرُ حين وصلتُ للسنةِ الأخيرة في المدرسة، في طابور الصباح أقول لنفسي ها أنت على بُعدِ خطوة من ذاك الحُلم الذي ترعرع في مخيلتك، كوني لها.

آهٍ هل سأفرغُ في تدوينتي هذهِ كابوس الثانوية؟ هل أحدثكم عن الضغطِ النفسي-الذي كادَ أن يرتكب فيَّ جريمة قتل- ؟ 
الثانوية بكلِ تفاصيلها كانت مُربكة، كُنا نقف ونراقب علاماتنا ترتفع وتهبط وكأن قوة جذبٍ عجيبة تجذبها لكلا المسارين، كنا نقف نتأمل تقلبَ مشاعرنا، أجل جزءٌ من أنفسنا يقف ليتفكر وجزءٌ منا يناضل لأجلِ أن يصل لمنصةِ حُلمه، على أيٍّ؛ الذكي فقط هو من ملكَ قُدرةَ الموازنة بينَ الصراع المُحتدم في داخله. 
أحدثكم عن الدهشة حين تُسببها مسائل الفيزياء والرياضيات التي تنساقُ إلينا من كلِ حدبٍ وصوب، والرهبة من كميةِ الأفكار التي علينا أن نُلم بها، وسذاجةِ منهجِ الأحياء المصحوبِ بتفاصيل مُعقدة وكلماتٍ مصفوفةٍ فوق بعضها البعض كأنها تعويذة سحر، على كُلٍ الموادُ العلمية كانت ممتعة رُغم ثِقلِ تكالفيها وغطرستها علينا، أستثني من ذلك الوصف الكيمياء؛ الذي كان ألطفهم وأحبهم لقلبي.
كُنت في كُل وقتٍ أُذكر نفسي بأن الحُلم لاينالُ بالفتور ولكنهُ ينالُ بالكفاحِ والنضال، لم يُثنني مرضٌ ولاتعثرُ صحتي في تلك الفترة عن المواصلة، مؤمنةٌ بأن الأحلام تتحقق إذا سعينا لها، المنظرُ الذي لا أنساه هو منظرُ المطر بعد نتائج الفصلِ الأول، حين كان الجميع يشعرُ بالبؤس واليأس جاءَ هو ليغسلَ كُل ذرةِ حُزنٍ سكنت قلوبنا، أذكر صوتي وصوتَ صديقتي حين خرجنا للساحة ورددنا أنشودةَ المطر، كنتُ أثق بأن الله لن يدعنا حُزانى ونحنُ اللذين كُلما تعثرنا قُلنا بأن العوضَ منهُ جميل، كان المطرُ خيرَ عوض وخير دافعٍ لنبدأ من جديد. 
كلُ تلك الذكريات وكلِ تلك اللحظات الصعبة ضحكنا عليها يومَ التخرج، الذكريات الجملية واللحظاتُ الحُلوة والمُرة، كلها كانت سبيلاً للإنجاز. 

طوال سنوات دراستي كنتُ شغوفةً جداً بالهندسة أسعى لها وأشعرُ بأنها تسعى لي، لم أتخيل أنني سأدرسُ شيئاً سواها يوماً، كان الله يعلمُ بأن قلبي مُعلقٌ بها وكنت أوقن بأنهُ لن يخذلني، علمتُ بأن شغفَ الهندسة المتولد فِيَّ أكبر من أن يحكرهُ مكان   أو يوقفهُ رأيٌ عابر، كان أكبر من هذا كله، لأن لُطف الله ورحمتهُ وإختيارهُ أجمل؛ أكرمني بدراسة الهندسة بعد كفاحٍ دامَ ثلاثة عشرَ عاماً، فرحُ عائلتي بحفيدتهم الأولى كان بمثابةِ الطاقة التي دفعتني بقوةٍ لأنجزَ أكثر.
 في بدايةِ مشواري الأكاديمي كان كل ما أحتاجهُ هو أذن صماء عن كل سخيفٍ كان يُريد أن يدفنني وحلمي معاً، لم يهدأ لي بالٌ حتى أبدأ بتحقيق إنجازاتٍ في كليتي وفعلت حتى أسقطُتهم قهراً واحداً بعد الآخر وأخرستُ ألسنتهم دُفعةً واحدةً.

كانت تقول لي أن المتميز حيثُ يكون يبقى متميزاً، سلامٌ على قلبها وحنينها ولُطفها حين تفرحُ لأجلي. 
التميز الذي حصدتهُ في أول سنة أكادمية كان كفيلاً بأن يكون دعامة قوية وحجر أساس عظيم لحلمي وكلهُ من فضلِ الله، وحدهُ الله أعطاني ومنحني لولاهُ لكنتُ أتخبطُ بينَ جدرانِ الفشل. 
"يا من مننتَ عليّ برعاياتك ولُطفك ما لم أكُن لك كُفواً ولا مُستحقاً سبحانك اللهم ما أوهنني عليك ، وما أحوجني إليك 
لا أعتزّ إلا بك ، ولا أتذلل إلا إليك "

يالله أدركتُ حقاً بأن من يؤمن منذُ صغره بتحقيقِ إنجاز؛ سيفعل. ثق بالله ثق بهِ في كلُ خطوةٍ تخطوها وحدهُ سيتكفل بهمكَ ويزيحه، وحدهُ سيمنحك ما ترغب في الوقتِ المناسب، وحدهُ سينجيك حين تغرق، اللهُ ياصديقي يتولاك. 

أتدركُ معي خيرةَ الله؟ أتدرك معي الفرحَ الذي يكسوني في كل صباح؟ 
الصباحاتٰ التي يهبنا الله فيها عُمراً جديداً لنكونَ خيرَ خُلفاء في الأرض؛ واجبٌ علينا أن نناضلِ لأجلِ أن نكونَ غراس خيرٍ في هذه الأمة، لأجل أن نعيدَ رفعتها ولو بالشيء القليل، اللهم وما توفيقي إلا بك وما توكلي إلا عليك، بك أصول وأجول وأمضي، سهل دربي وأدم توقد شغفي ولهفتي، منك القوةَ ومنيَّ العمل فتولني يارب الأوائل والفائزين. 
تمت 
١٠ من ذي القعده١٤٣٦هـ. 
٢٥ من أغسطس ٢٠١٥ مـ. 
الثلاثاء/ ١١:٢٢ صباحَاً .

هديل مُحمد 💗.